أولا و قبل كل شيء....
أحداث هذة القصة ماتزال حتى هذة اللحظة، من الملفات السرية للمخابرات العامة المصرية...
و تفاصيل علمي بهذة القصة، لها أصول في الواقع...
فمنذ أيام قليلة، وقعت في يدي بمحض الصدفة البحتة، أحد أعداد (رجال المستحيل) للدكتور (نبيل فاروق) بعنوان (الحلقة الجهنمية)....
القصة كانت تتحدث عن عملية إغتيال للرئيس المصري (محمد أنور السادات) في النصف الثاني من السبعينات، بمعرفة المخابرات الإسرائيلية...
و كانت تفاصيل القصة تتحدث عن عميل إسرائيلي تم إجراء عملية جراحية له، ليشبه بالكامل الملحق الصحفي بأحد السفارات المصرية، في (أوروبا)، ثم زرع هذا العميل مكان الملحق الحقيقي، ليقوم بإغتيال الرئيس (السادات)، خلال زيارته للسفارة المصرية....
كنت قد قرأت هذة القصة، منذ أكثر من 5 سنوات، و لم يكن لدي الوعي الكافي، و المعرفة الكافية بإنتصارات المخابرات المصرية، لم أكن على الوعي الكافي الذي فيه الآن، ببطولات (رجال الصمت)، في الماضي و في الحاضر، صحيح أني كنت على معرفة قليلة بقوة اولئك الرجال، و دائما يملي صدري الفخر القوي، ببطولاتهم و إنتصارتهم القليلة التي أعرفها، و لكن كنت مازلت على جهل كامل بتاريخ أولئك الأبطال.....
و حينما وجدت هذة القصة مرة أخرى بين يدي، تحفذت كل الحواس في عقلي القليل الحيلة و الإدراك و التفكير...
و عادت بي ذاكرتي الضعيفة فجأة للخلف، سنة كاملة، حيث كنت قرأت في أحدا المواقع الشهيرة، لمحلل إستراتيجي من القارة الأوروبية، عن الفشل المخابرات التي تعانية (المخابرات الإسرائيلية) في أوروبا، و ذكر هذا المحلل عن كوارث (المخابرات الإسرائيلية)، و مصائبها، و كيف أنها لا تدخر وسعا في العمليات الإنتقامية من عملاء المخابرات المعادية، للإنتقام من الفشل الذريع الذي يلاحقها في أغلب مواجهاتها مع أجهزة المخابرات العربية، وبالذات مع (المخابرات المصرية)....
و ذكر هذا الرجل، تاريخ قوي للفشل المخابرات الإسرائيلي، و وقوع رجاله فريسه سهلة ل(المصريين)، و تاريخ (رجال الصمت) الناجح في إبطال مخططاتهم بذكاء شديد و قلبها لكوارث عنيفة على الإسرائيلين....
و ذكر في أحد معلوماته، كيف أن فريق مخابرات كامل تمت تكليفه في إسرائيل، بإغتيال شخصية سياسية مصرية هامة، و حينما تم إعداد العدة و التخطيط لهذة العملية، تم تصفية الفريق بالكامل فور حدوث العملية، التي لم تكن سوى خدعة في منتهى الدهاء من (المخابرات المصرية)، إستطاعت من خلالها بمنتهى الذكاء و العبقرية تأمين الهدف، و تغيير مسار الإغتيال، لتقوم الفرقة بتدمير نفسها بدلا من تدمير الهدف المطلوب....
هنا....
تنبأت فجأة كل حواسي بشكل غريب....
أمعقول ؟
أمن الممكن؟
و لكن كيف ؟
نعم !
من الممكن...
و لماذا لا ؟
إنهم (رجال الصمت)....
أبطال في الظل...
ذئاب النصر الصامت....
و كانت الحقيقة...
الحقيقة التي هزت وجداني كمصري...
حقيقة العملية ....
فسبب تنبه كل حواسي، لم يكن أيضا بسبب ما تذكرته لهذا المحلل، بعد قرأتي لقصة (نبيل فاروق)، و أنما لأنه منذ حوالي 6 شهور، قرأت في كتاب (أمن مصر القومي)، لكاتب للأسف ذاكرتي المتواضعة لم تتذكر إسمه الان، أن (المخابرات المصرية)، أحبطت عملية إغتيال للرئيس (السادات) في نفس توقيت العملية التي تحدث عنها (نبيل فاروق) في روايته، و في نفس توقيت العملية الفاشلة التي تحدث عنها، المحلل الإستراتيجي الأوروبي، في تقريره عن الفشل المخابراتي ل(إسرئيل) في أوروبا....
و بدأت رحلة البحث، البحث في الماضي المجهول ل(رجال الصمت) و أنا على يقين قوي، ليس له سبب واضح، من أن تفاصيل العملية التي خمنت حدوثها، حدثت بالفعل، و بالتفاصيل التي خمنتها من تقرير المحلل الإستراتيجي الأوروبي....
و على الرغم من حلة الفوضى التي تعيشها عقليتي في المحافظة على الأسماء و التواريخ، و التي بسببها نسيت إسم المحلل، و إسم تقريره، و حتى تاريخ قرائتي له، إلا إني قررت مرة أخرى الدخل في صراع عنيف على المعلومات، كما لو كنت (جهاز مخابرات) بالفعل! من أجل الوصول للحقيقة...
و إنطلقت كالمجنون، أحاول الوصول للمعلومات، على الرغم من علمي بوجود إحتمال كبير بأني أبحث وراء سراب كبير، خاصة و أن العملية أكيد مازالت أسيرة الملفات السرية ل(المخابرات المصرية) التي ماتزال مع إحترامي لها و لرجالها، تأبى ان تكشف اسرارها، ليظل التاريخ ينظر لها و لكل أبطال بمزيج من الدهشة و التعجب و الإحترام و التقدير، لكل رجالة الذين دائما يعملون في صمت دائم، دون أن يعلنوا عن أنفسهم، و دون أن يعرفهم أحد، و كانهم كتب عليهم العيش في صمت، و الإنتصار في صمت، دون ادنى تقدير علني من أعظم شعوب الدنيا....
و أخيرا إستطعت الوصول، و بكل فرحة و لهفة و شوق جلست أسرد و أنظم على قدر إستطاعتي لهذة العملية الخطيرة في تفاصيلها، و المشوقة في أحداثها، و المذهلة و المرعبة أيضا في نتيجة نهايتها....
تبدأ أحداث القصة خلال النصف الأول من منتصف السبعينيات في القرن الماضي في (تل ابيب)، و بالتحديد في مقر (المخابرات الأسرائيلية)، حيث قامت قيادة (الموساد) بعمل إجتماع عاجل، معى كل ضباط المخابرات الإسرائيلية، لسبب في منتهى الخطورة، سبب في القريب العاجل سيقوم بإحداث هزة عنيفة، أعنف من إنتصار (مصر) في حرب (أكتوبر)، إنه أمن و مستقبل إسرائيل السياسي....
فبعد الإنتصار الرائع الذي حققته (مصر) على (إسرائيل) في الحرب، على الساحات الثلاثة (العسكرية) و (السياسية) و (المخابراتية)، و إحداث تفوق قوي للمصريين، على الساحة الدولية بوصفهم المنتصرين على جيش (الأسطورة)، أصبح العالم كله ينظر بفخر و إحترام ل(مصر) و أبنائها، و أصبح ل(مصر) كلمة مسموعة في الأوساط السياسية الدولية...
و إنفتحت (مصر) على العالم الغربي، و أصبحت محط إعجاب الجميع في (أوروبا) و موضع إحترام من (أمريكا)، وحلفائها الغربيين، بعد طول قوقعة سياسية طويلة ل(مصر) مع المعسكر الشرقي...
و بدأ رجال السياسة المصرية، و على رأسهم الثعلب السياسي (محمد أنور السادات) في المناورة و إستغلال الفرص السهلة و الصعبة بكل ذكاء، من أجل الوصول لحل دبلوماسي عادل، لتحرير (سيناء) و أيضا لوضع حل نهائي ل(القضية الفلسطينية)....
و أصبح أمن و مستقبل (إسرائيل) السياسي، في مهب الريح، خاصة و أن القيادة السياسية في (مصر) أصبحت يوما بعد يوما، تكسب المزيد و المزيد، من الإنتصارات السياسية و الدبلوماسية على الساحة الدولية، فضلا عن العزلة الدولية التي وقعت ل(إسرائيل) فور وقوع حرب (أكتوبر) المجيدة، و التي ظلت إسرائيل تعاني منها حتى توقيع معاهدة السلام مع (مصر) عام 1979....
لذلك أصبح على (إسرائيل) أن تضرب بكل يديها، من اجل أن تعود مرة أخرى لليهمنة على السياسة الدولية و إيقاف التفوق المصري السياسي، و إبعاده 20 خطوة للخلف، من اجل الحفاظ على قوة و سلامة أمن الدولة اليهودية...
و لأن محور إهتمام هذا الساحة الدولية، كان بالرئيس المصري (أنور السادات) بصفته القائد المنتصر، لشعب أصبح بين يوم و ليلة، أعظم شعوب الدنيا، و أقوى شعوب الأرض، و أشجع الأمم في الكون، أصبح واجبا على خنازير (إسرائيل) تصفيته قبل أن يصبح زعيما جديدا، للقومية العربية، بعد أن تنفست (إسرائيل) الصعداء من رحيل رائد القومية العربية (جمال عبد الناصر).....
كان في إعتقاد (إسرائيل) أن بجانب كل هذا التفوق السياسي، سيصاحبه ايضا دعم و تأييد عربي قوي لسياسة (السادات) ليصبح (عبد الناصر) آخر و لكن بتأييد دولي أقوى و أكثر تأثيرا....
ولهذا السبب، و من أجل أمن الدولة اليهودية، و قبل كل هذا من أجل كرامة اليهود التي صفعت ألف مرة قبل الحرب و أثنائها و بعدها، على ساحات الصراع العربي الإسرائيلي الثلاثة، أصبح شيء ضرويا، أن تتم عملية تصفية للرجل الذي سيشكل خطرا على أمن و مستقبل دولة إسرائيل...
و لهذا السبب، إجتمعت قيادات ( الموساد) الإسرائيلي، في هذا الإجتماع الذي ضم أغلب جنرالات المخابرات الإسرائيلية، و كل مديرين العمليات بالجهاز، من أجل وضع خطة قوية و محكمة لإغتيال الرئيس المصري....
و بدأت عمليات النقاش، و تبعها عمليات البحث و التخطيط و الترتيب، حيث إستقر رجال (الموساد) على تنفيذ العملية، عبر إبدال احد الملحقين الدبولماسيين بأحد السفارات المصرية في (اوروبا) حيث جولات (السادات) السياسية و الإعلامية، بأحد عملاء المخابرات الإسرائيلية....
و الواقع أن الإسرائيليون توصلوا لهذا الحل، بعد أن وقع في يديهم معلومات خطيرة تخص ملحق دبلوماسي بالسفارة المصرية في (بلجيكا) مشهور بإختلافه مع النظام المصري، على الرغم من وطنيته، إلا أنه ليس من المؤيدين للنظام السياسي في (مصر)، و دائما وسط أقرانه يقوم بإنتقادات قوية للسياسة الخارجية المصرية...
و لقد تم إختيار هذا الرجل، ليتم إبداله بعمليل إسرائيلي، يشبهه تمام في الشكل و الصوت، و الجسم، كل شيء تقريبا، طبعا بعد ان أجريت عدة عمليات جراحية للعميل، و تدريبات مكثفة وقوية له ليصبح صورة طبق الأصل من الملحق الدبلوماسي الأصلي...
و تم تكليف فريق من أقوى فرق الإغتيالات في (الموساد)، و له كثير من العمليات الإغتيالية الناجحة في أغلب دول العالم....
كانت خطة الإغتيال التي وضعها الإسرائيليون، تعتمد في الأصل على وضع العميل، على مقربة من للرئيس (السادات) و قيامه بوضع قنبلة بحجم عقلة الأصبع شديدة المدى التفجيري، أثناء مصافحة العميل للرئيس في إستقباله بالسفارة المصرية، حيث سيقوم العميل بزرع القنبلة على مسافة قريبة من الرئيس، أو في كم بدلة الرئيس، بعدها سيتجه للخارج في خلال 10 ثواني و يرسل إشارة لاسلكية لضابط المخابرات المسئول عنه، الذي سيرسل إشارة سريعة لجهاز الإرسال الموضوع في القنبلة و يحدث الإنفجار....
بعدها سيجد رجال أمن السفارة الملحق الحقيقي مقتول على و ضعية إنتحار في أحد المنازل التي سيتم تسريب عنوانها للأجهزة الأمن المصرية، التي ستجد فور إنتهاء العملية معدات إعداد القنبلة في منزل الدبلوماسي المصري، و أيضا بصماته على القنبلة، ( وقيل أيضا أن من ضمن الخطة وضع جواب إعتراف بخط يده متروك بجانب جثته يوضح فيه ندمه الشديد لفعلته و عقابه لنفسه، لكني لم أتحقق بشكل قوي من هذة التفصيلة خاصة و أن تفاصيل العملية مازالت حتى هذة اللحظة أسيرة الملفاات السرية لجهاز المخابرات العامة المصرية، و كل ما لدي من معلومات هو أكثر التفاصيل المتشابهه وسط كل ما ورد الي من تقارير تحيليلية من كتاب و مؤلفين و محللين إستراتيجين).....
كانت هذة هي الخطة الإسرائيلية التي وضعت بذكاء شديد، من ضباط المخابرات الإسرائيلية، و تم التخطيط لكل تفصيلة فيها و تنفيذها في منتهى الدقة....
و ظل الإسرائيليين طول شهور إعداد البديل يخططون للتوقيت المناسب الذي سيتم في زرع العميل، و آخير و بعد 3 أشهر من ألإستعدادات و التدريبات، و صلت للمخابرات الإسرائيلية معلومة مهمة تقول أن الرئيس (السادات) سيزور (سويسرا) لحضور مؤتمر إقصادي مهم، و أن الملحق الدبلوماسي سوف يتم نقله لإستقبال الرئيس، لقلة الملحقين الدبلوماسيين في السفارة المصرية هناك....
و بدأت اللعبة أخيرا، و سافر العميل الإسرائيلي، إلى (بلجيكا) ليتم إبدالة ليلة سفر الملحق الدبلوماسي الأصلي ل(سويسرا)...
و سافر العميل مع الطائرة المصرية، إلى بلاد الجليد، حيث سيقابل الرئيس المصري في السفارة المصرية، لتنفيذ المهمة المحددة، و بمنتهى الدقة من أجل ضرب أمن (مصر) السياسي و القومي في مقتل، رئيس البلاد المنتصر يقتل في قلب سفارته و بعد دعاية ضخمة لإنتصاره، و بيد أبناء بلاده الكارهين له....
كل شيء كان فعلا يسير على مايرام، و بمنتهى الدقة، و بدون أي تغييرات، العميل تم إدخاله و سافر مع البعثة الدبلوماسية دون ان يكشفه أحد، و دخل السفارة المصرية، و أتخذ موقعه في في إنتظار الفريسة، كالصياد الماهر...
و بعد دخول الرئيس (السادات) للسفارة المصرية ب10 دقائق، وصلت إشارة التنفيذ لضابط المخابرات الإسرائيلي، ليقوم بإرسال إشارة التفجير للقنبلة..
ووقع إنفجار عنيف مدمر بأحد المباني الواقعة قرب السفارة المصرية، إنفجار أطاح بالطابق الثاني و الثالث من المبنى المكون من أربع طوابق، و يأخذ معها فريق المخابرات الإسرائيلية المنفذ للعملية، و معه تحيات (المخابرات العامة المصرية)......